بذل علماء المسلمين جهوداً عظيمة في خدمة القرآن الكريم، فأنشؤوا العديد من العلوم منها: علم أسباب النزول، وعلم التفسير والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والمطلق والمقيَّد، والمكي والمدني، وغير ذلك من عشرات العناوين، وكل عنوان من هذه العناوين يعدُّ علماً قائماً بذاته، وفي هذا المقال حديث عن المكي والمدني، والفرق بينهما، وسمات وخصائص كل منهما.
تعريف المكي والمدني
المكي: (ما نزل من القرآن الكريم قبل الهجرة، سواء كان في مكة أم ضواحيها).
المدني: (ما نزل من القرآن الكريم بعد الهجرة النبويّة، سواء كان مكان نزوله المدينة، أم مكة بعد فتحها، أم أيّ مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلّم).
وكما نلاحظ فإنَّ هذا الضابط في التعريف هو باعتبار زمن النزول، وهناك ضوابط أخرى كمكان النزول، والفئة المخاطبة، ويبقى هذا الضابط هو أرجحها وأفضلها؛ لأنّه ضابط مطّرد وحاصر لأجزاء التعريف، والاعتماد عليه يقضي على كل أسباب الخلاف، وهو الأقرب إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم.
فوائد معرفة المكي والمدني
وهناك فوائد عظيمة تترتب على معرفة المكي والمدني، منها: معرفة ناسخ القرآن الكريم من منسوخه، والاستعانة به في تفسير القرآن الكريم، وكذلك الوقوف على تاريخ التشريع الإسلامي وتدرّجه، بما يحقق معرفة عظمة الإسلام في التربية والبناء، وكذلك تتبع سيرة الرسول محمد صلى عليه وسلم والوقوف على أحداثها، بالإضافة إلى معرفة أسباب النزول، وكلّ ذلك يزيد من إيماننا بالقرآن الكريم، ووصوله إلينا من غير تحريف، أو تبديل.
ضوابط وخصائص القرآن المدني
من ضوابط القرآن المدني:
- القرآن المدني فيه ذكر للجهاد وبيان لأحكامه.
- فيه تفاصيل لأحكام الحدود، وبيان الفرائض والحقوق والقوانين المدنية المنظّمة لحياة النّاس وعلاقاتهم.
- فيه حديث عن المنافقين، فالمنافق هو من يظهر الإيمان ويبطن الكفر، وقيام الدولة المسلمة في المدينة وقوُّتها مدعاة لمثل هذه الظاهره عند قسم من النّاس.
- كل آية يبدأ الخطاب فيها بـ ( يا أيها الذين آمنوا) مدنية، فخطابها موجه للمؤمنين ويتعلق بتفاصيل الحقوق والواجبات المنوطة بهم.
ومن خصائصه: طول آياته، وسهولة ألفاظها، وهدوء الأسلوب فيها، والحديث عن التشريعات التفصيلية والأحكام العمليَّة في العبادات، والأحوال الشخصيّة، والمعاملات، وكذلك بيان قواعد التشريعات المتعلّقة بالجهاد وأحكامه، وفضح المنافقين وكشف مؤامراتهم.
ضوابط القرآن المكي وخصائصه
وهناك أيضاً عدة ضوابط تمثل نسقاً عاماً للقرآن المكي منها:
- كل سورة فيها سجدة تعدّ مكيَّة.
- كل سورة فيها أداة الزجر( كلا) تعتبر مكيّة.
- الخطاب فيها يكون لكل النّاس بلفظ ( يا أيها النّاس).
ومن خصائص أسلوبه: الدعوة إلى عقيدة التوحيد، وإثبات صدق الرسالة، ووضع الأسس العامّة للتشريع وبيان فضائل الأخلاق، وبيان الأخلاق والعادات السيئة، وكذلك الاعتماد على الأسلوب القصصي، ويتميّز كذلك بقصر آياته مع قوة الأسلوب.