-->

الفرضيات في درس التربية الإسلامية الأهداف والمشروعية (رؤية ديدكتيكية)

    ذ. جواد حنافي
    الفرضيّة (في البحث العلمي) عبارة عن حل أو تفسير مُؤقّت يصاغ بشكل علميّ، يُحاول الباحث أن يتحقّق من صحّة هذا التفسير باستخدام المادّة الموجودة لديه، بحيث يضع قراراته وخبراته كحلّ للمُشكلة البحثيّة. تتمّ كتابة الفرضيّات بشكل يجعلها ذات صلة وثيقة بمشكلة البحث، بحيث يجب على الباحث أن يكون على معرفة كاملة بالمُشكلة... *

    هل استخراج الفرضيات مرحلة حاسمة في درس التربية الإسلامية؟!
    ليست في الموضوع إجابة صارمة، وعلى حد علمي لم تصدر وثيقة التوجيهات الديدكتيكية لحد الساعة، وظلت تدريسية المادة خاضعة للاجتهادات... وبتتبعي الشخصي، والقاصر، لاحظت أن الهيمنة للديدكتيك الذي تلقاه الإخوة المشرفون التربويون في مراكز تكوين المفتشين، وما امتزج به من انطباع واجتهاد، وربما بتغير المكون/ المكونين ستتغير الثقافة الديدكتيكية الرائجة (وهي مجرد فرضية) !
    وكما لا أتوافر على إحصاء يحدد نسبة الذين يعتبرون الفرضية مرحلةً في بناء الدرس، ومن لا يعتبرونها ...

    من يوجه الديدكتيك في المادة؟
    ينبغي أن يُوجه الديدكتيك بالبحث العلمي، الذي يشارك فيه السادة الأساتذة، والسادة المفتشون، والباحثون المهتمون، وكل المعنيين بديدكتيك المادة عموما، وبناء على البحوث والدراسات والخلاصات والتوصيات، وبناء عليها يُجمع المختصصون، من منظرين وممارسين على صياغة وبناء المراحل الأساس لتصريف الدرس / الدروس، بما يلائم متعلم اليوم، وبما يناسب وفلسفة الوزارة الوصية على القطاع، هذا من جهة، أي باعتبار الديدكتيك الخاص، وكذا تقديم تأملات منهاجية عامة في مفردات المنهاج وقضاياه الديدكتيكية العامة، وفي انفتاح على المواد والتجارب الأخرى، باعتبار الديدكتيك العام.
    هذا هو الأصل، في الأدبيات العلمية !

    هل الفرضيات المعمول بها، فرضيات علمية أو عامية؟
    عرفت معنى الفرضية في بداية المقال، وهو ما يبين أن الفرضيات المعمول بها في المادة هي مجرد فرضيات بالمعنى العامي للكلمة، لأن الفرضية أو الفرضيات تنبثق من مشكل حقيقي، وملاحظات دقيقة وراءها مشكل، لا عبارة عن رأي زيد وعمرو، بمعنى أن لها مراحل منهاجية قبيلة وبعدية، في سياق المنهج العلمي المعروف، والذي له خصوصياته ومفرداته !
    نسجل في غالبية الوضعيات المعتمدة في المادة، سواء الوضعيات الورادة في الكتب المدرسية، أو الامتحانات الوطنية، والجهوية، أو التي أنتجها السادة الاساتيذ والسيدات الأستاذات... أنها وضعيات لا تتضمن مشكلا حقيقيا، لكون بعض الدروس لا تسعف، ولأن الأهداف الكفايات المطلوبة في الدرس أو الدروس لا تسعف لبناء مشكل مُركب دامج يخلخل البنية المعرفية السابقة والحالية، على غرار تدريسية العلوم... فكيف تدرس العلوم؟! (سؤال معلق).
    هناك فرق؛ سيداتي سادتي؛ بين المشكل الحقيقي، والمشكل المعقد. المشكل الحقيقي يناسب مستوى المتعلم ة ومساره الدراسي والكفائي، بينما المشكل المعقد له أهله ومستوياته، حتى لا يقول القائل منكم: أنت تريد أن تعقد المادة، أو إنك لم تستوعب معنى المشكل ...

    أين تتجلى أهمية الفرضيات بالمعنى العامي للكلمة؟
    للفرضيات بالمعنى العامي للكلمة فوائدُ جمة، فهي في الأصل؛ بناء على ما وضحناه؛ عبارة عن قصف ذهني، واستدراج منهجي، قد يكون مكشوفا، لاستخراج تمثلات المتعلم والمتعلمة، لتصحح وتعزز او تبنى، فلا ينبغي أن يستغني عنها المدرسون والمدرسات في كل مراحل الدرس، من العنوان فصاعدا ونازلا ( = التشخيص والمراجعة والامتدادات والتقاطعات العمودية والافقية). أما جعلها مرحلة خاصة فلا أراه مناسبا للاعتبارات التالية/:
    _ أنها توهم المتعلم، والقارئ عموما، أنها فرضيات علمية. ((قالت هدى زميلتنا، أستاذة علوم الحياة والأرض: ما علاقة مادتكم بالفرضية ؟!))
    _انها تشوش على المتعلم خصوصا إذا لم يعجل المدرس ة إلى تصحيحها، وإزالة شبهها.
    _ أن جعلها مرحلة من المراحل يدفع إلى التعسف في تكوين فرضيات ميتة، مصطنة في بعض القضايا والدروس. (فرضيات ماذا؟! وجوابه لاحق إن شاء الله).

    نقل بعضهم أن الفرضيات السلبية تترسخ، فما قولك؟
    ينبغي أن تقلص المسافة بين الفرضيات، بالمعنى العامي للكلمة، والفيد باك _ التغذية الراجعة _ الدعم، لأن الحاجة إلى التصليح تكون ماسة، وهذا إذا لم نفترض أنها ستنسى وتهمل، أو تضيع أمام تحليل العناصر ومناقشتها.
    كيف تصحح الفرضيات في المادة؟
    قلنا إن الفرضيات الورادة في المادة فرضيات عامية، لا علمية بحثية، وهدفها تصحيح التمثل، وإحداث زوبعة، واستدراج المتعلم للتفكير ومساءلة التعلمات السابقة وبناء اللاحقة.
    في الغالب يكون التصحيح مباشرا، أو استدراجيا، بل في الغالب يتبدى ويظهر صحيح الفرضيات من خاطئها في أول لحظة، بل من خلال عنوان الدرس في أحايين كثيرة ... وتعتمدُ النصوص الشرعية القرآنية والسنية حججا في التصحيح والتعليل...
    ومن هنا فإن النصوص الشرعية ضرورية باعتبارها البرهان الأساس في المادة، بالنظر لطبيعتها الشرعية (الاستدلالية)، فضلا عن أدوات البرهان الأخرى (العقل: في المعاملات وما يلحق من العبادات بالمعاملات).

    فرضية ماذا؟!
    وهو سؤال مفصلي، فعن أي فرضيات نتحدث؟! هل هي فرضيات موقف زيد وعمرو أو فرضيات مشكل غير مطروح اصلا أوغالبا؟!
    هنا يحصل الارتباك عند كثير من مدرسي وممارسات التربية الإسلامية، وهنا بالضبط يحصل الانزلاق الديدكتيكي، فنكون أمام أثر طوباز وجوردان والانزلاق الميتامعرفي، فيتمحل المدرس في إيجاد مخرج من وضعية ورطة، لا يحسد عليها، وكان في غنى عنها، فإذا كان الغرض من الفرضيات إحداث زوبعة وتصحيح تمثل، فإنه وفي ظل هذا المأزق تتحقق نتائج عكسية ولا تربوية...

    ما هي أنسب مرحلة لاقتراح الفرضيات؟!
    اقترح استخراج فرضيات عنوان الدرس او ما يعرف بفرضية العنوان، من خلال بعض المؤشرات، كما في ادبيات تحليل النصوص الأدبية.
    والفرضية تستخرج أيضا بعد مشكل او قضية او ظاهرة او ...
    وتحرير المواقف والآراء تسبق الفرضية، ليتم الفهم أولا.
    والفرضيات لا تسائل الرأي الواحد، بل تسائل الرأيين والآراء، تسائل الرأي الموافق والمخالف.

    ما الفرق بين الفرضيات والمواقف؟!
    طرح هذا السؤال يدل في نظري على امر واحد اننا لم نستوعب معنى الفرضية ومعنى المواقف... والفرق بينهما شاااسع ! فالمواقف آراء معلن عنها، والفرضيات تساؤل وتفسير مؤقت للمواقف او غيرها ...

    هل باعتماد الفرضيات ستتحول المادة الى مادة علمية على غرار مواد اخرى ؟!

    علمية المادة ستتحقق بمجموعة من الشروط، منها:
    - مراعاة الغايات التربوية، وهي نقطة غاية في الأهمية، وتعني أن يواكب الديدكتيك رؤية الوزارة وفلسفتها.
    - خطة "خطوات إلى الوراء وخطوة إلى الأمام" من أجل التثبيت.
    - التدريس بالمفاهيم بدل القضايا.
    - وضوح المنهج والخطة وصرامتها ووحدتها، بحيث يترك مجال للإبداع.
    - أن ينطلق من النص، ويرجع اليه، لان النصوص اساس في المادة.
    - تغليب البعد المقاصدي في التقويم، وتجاوز الحرفية.
    ومن اساسيات الدرس في المادة (التعريف، الحكم، الحكمة، القيمة، ومتفرقات بحسب السياق).
    أن مجرد تغيير الأسماء لا يجعل درس التربية الإسلامية درسا علميا !!
    هل المشكل في الأستاذ؟
    طبعا المشكل في الاستاذ، بل هو سبب الزلازل والبراكين، لأنه غير مؤهل، وغير مكون، فلو أنه استثمر الفرضيات، كما ينبغي له أن يستثمرها، لمكن المتعلم من بناء سليم وتصحيح جيد، لهذا أنصح الجهات المسؤولة عن تدبير القطاع بعدم الاستخفاف بملاحظات الأساتيذ، لأنها في الغالب لا تنبع من فراغ ... فيقتضي المنهج أن نخضع تمثلاتهم وآراءهم للدراسة والتحليل، لا أن نراوغها ونتهرب منها بمختلف الأساليب، لأنهم مجرد معلمين ومعلمات، لم يتلقوا تكوينا رصينا يؤهلهم للنظر والمعرفة والتعبير.
    فأين المتعلم في كل هذا؟
    الجواب تعرفونه، فلا داعي للكلام ...

    قول متجدد، ''والراس لي ما يدور كدية''...
    *. Prof.Dr.Samy Tayie (2005), Research Methods and Writing Research
    شارك المقال

    # مقالات متعلقة